responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 447
[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 40]
يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)
انْتِقَالٌ مِنْ مَوْعِظَةِ الْمُشْرِكِينَ إِلَى مَوْعِظَةِ الْكَافِرِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَبِذَلِكَ تَتِمُّ مَوْعِظَةُ الْفِرَقِ الْمُتَقَدَّمُ ذِكْرُهَا، لِأَنَّ فَرِيقَ الْمُنَافِقين لَا يعدو أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الْيَهُودِ، وَوُجِّهَ الْخِطَابُ هُنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَهُمْ أشهر الْأُمَم المتدينة ذَاتِ الْكِتَابِ الشَّهِيرِ وَالشَّرِيعَةِ الْوَاسِعَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ جَاءَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ فَكَانَتْ هَاتِهِ السُّورَةُ الَّتِي هِيَ فُسْطَاطُهُ مُشْتَمِلَةً عَلَى الْغَرَضِ الَّذِي جَاءَ لِأَجْلِهِ، وَقَدْ جَاءَ الْوَفَاءُ بِهَذَا الْغَرَضِ عَلَى أَبْدَعِ الْأَسَالِيبِ وَأَكْمَلِ وُجُوهِ الْبَلَاغَةِ فَكَانَتْ فَاتِحَتُهَا فِي التَّنْوِيهِ بِشَأْنِ هَذَا الْكِتَابِ وَآثَارِ هَدْيِهِ وَمَا يكْتَسب متبوه مِنَ الْفَلَّاحِ دُنْيَا وَأُخْرَى، وَبِالتَّحْذِيرِ مِنْ سُوءِ مَغَبَّةِ مَنْ يُعْرِضُ عَنْ هَدْيِهِ وَيَتَنَكَّبُ طَرِيقَهُ، وَوَصَفَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ أَحْوَالَ النَّاسِ تُجَاهَ تَلَقِّي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ وَمُنَافِقٍ، بَعْدَ ذَلِكَ أَقْبَلَ عَلَى أَصْنَافِ أُولَئِكَ بِالدَّعْوَةِ إِلَى الْمَقْصُودِ، وَقَدِ انْحَصَرَ الْأَصْنَافُ الثَّلَاثَةُ مِنَ النَّاسِ الْمُتَلَقِّينَ لِهَذَا الْكِتَابِ بِالنِّسْبَةِ لِحَالِهِمْ تُجَاهَ الدَّعْوَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي صِنْفَيْنِ لِأَنَّهُمْ إِمَّا مُشْرِكٌ أَوْ مُتَدَيِّنٌ أَيْ كِتَابِيٌّ، إِذْ قَدِ انْدَرَجَ صِنْفُ الْمُنَافِقِينَ فِي الصِّنْفِ الْمُتَدَيِّنِ لِأَنَّهُمْ مِنَ الْيَهُودِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، فَدَعَا الْمُشْرِكِينَ إِلَى عِبَادَتِهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [الْبَقَرَة: 21] . فَالنَّاسُ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْمُشْرِكِينَ كَمَا هُوَ اصْطِلَاحُ الْقُرْآنِ غَالِبًا كَمَا تَقَدَّمَ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ كُلَّ النَّاسِ فَقَوْلُهُ: اعْبُدُوا رَبَّكُمُ يَخْتَصُّ بِهِمْ لَا مَحَالَةَ إِذْ لَيْسَ الْمُؤْمِنُونَ بِدَاخِلِينَ فِي ذَلِكَ، وَذَكَّرَهُمْ بِدَلَائِلِ الصَّنْعَةِ وَهِيَ خَلْقُ أُصُولِهِمْ وَبِأُصُولِ نِعَمِ الْحَيَاةِ وَهِيَ خَلْقُ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَإِنْزَالُ الْمَاءِ مِنَ السَّمَاءِ لِإِخْرَاجِ الثَّمَرَاتِ، وَعَجِبَ مِنْ كُفْرِهِمْ مَعَ ظُهُورِ دَلَائِلِ إِثْبَاتِ الْخَالِقِ مِنَ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ، وَذَكَّرَهُمْ بِنِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ وَهِيَ نِعْمَةُ تَكْرِيمِ أَصْلِهِمْ وَتَوْبَتُهُ عَلَى أَبِيهِمْ، كُلُّ ذَلِكَ اقْتِصَارٌ عَلَى الْقَدْرِ الثَّابِتِ فِي فِطْرَتِهِمْ إِذْ لَمْ يَكُنْ لَدَيْهِمْ مِنَ الْأُصُولِ الدِّينِيَّةِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مَرْجِعًا
فِي الْمُحَاوَرَةِ وَالْمُجَادَلَةِ يَقْتَنِعُونَ بِهِ، وَخَاطَبَهُمْ فِي شَأْنِ إِثْبَاتِ صِدْقِ الرَّسُولِ خِلَالَ ذَلِكَ بِالدَّلِيلِ الَّذِي تُدْرِكُهُ أَذْوَاقُهُمُ الْبَلَاغِيَّةُ فَقَالَ: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [الْبَقَرَة: 23] الْآيَاتِ. وَلَمَّا قَضَى ذَلِكَ كُلَّهَ حَقَّهُ أَقْبَلَ بِالْخِطَابِ هُنَا عَلَى الصِّنْفِ الثَّانِي وَهُمْ أَهْلُ الشَّرَائِعِ وَالْكِتَابِ وَخَصَّ مِنْ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 447
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست